فصيغة الربا ـ وهي لغويا الانتفاخ والزيادة ـ (١) تعم كل هذه وتلك مهما اختلفت دركاتها.
فكل انتفاخ لمال أو عمل أمّا شابه ، يخيّل إلى الناظر حقيقة الواقع وواقع الحقيقة ، لتستلب به زيادة عن الحق ، تشمله الربا فإنها زيادة عن الحق في كل الأعراف السليمة فضلا عن المسلمة ، مهما اختلفت ربا عن ربا.
فالذي يقرض مالا له بفائدة مستمرة ودون عمل منه ، هو أربى المرابين ، ثم وأرباهم من يأكل الربا أضعافا مضاعفة ، انتفاعا من الربا كانتفاعه من رأس مالها ، فهو ربا على ربا ، ثم ربا المعاملة في آية معاوضة.
ثم الذي يعمل أو يعمل له ويأخذ زيادة ـ يسيرة أو كثيرة ـ عن استحقاقه في عمله وسعيه هو أدنى المرابين مهما اختلفت دركاتهم.
هنا مثلث الآيات تتجاوب في حرمة أكل كل زيادة عن السعي ، فآية الاكل بالباطل تمنع عن أكل كل باطل ، وآية السعي تحصره في السعي قدره العادل ، وآية الربا تمنع كذلك عن كل زيادة عن الاستحقاق العاقل.
وليست الزيادة الممنوعة محصورة في المساحة عملا أو سلعة أماهيه ، أم زيادة الثقل أو العدد ، إنما هي ـ ككل ـ زيادة السعر عن العادل المعتدل.
فخلاف ما يقال أن منا من سمن لا يبدّل بأكثر منه من لبنه لاتحاد الأصل ، نقول لا تجوز المبادلة بينهما إلّا بسوي السعر ، فقد يسوى منّ من الدهن عشرين منا من اللبن فلا ربا في هذه الزيادة وزنا ، بل وإذا تساويا وزنا
__________________
(١) فالانتفاخ مقدمة للزيادة ، فكما الانتفاخ تظاهر بما ليست له حقيقة ولا واقع ، ثم يستجلب به زيادة حق ليست بحق كذلك الربا ككل ، انتفاخا لرأس المال ليؤكل من منافعه دون عمل ، أو انتفاخا للعمل حتى يؤخذ عليه أجر أكثر ، أو انتفاخا لسلعة حتى تبدل بثمن أكثر وهكذا.