في الأموال أن تهدر ولا تتقدر بأي قدر.
فهنا تتجلى صياغة قانونية رزينة مكينة بتأكيدات عدة للحفاظ على الأموال في حقل التداين ، أيا كان الدائن والمدين والدين ، رغم ما تقدم من واجب التبذل وراجحه في سبيل الله ، إنفاقا دون منّ ولا أذى ولا رئاء الناس ، وحرمة الأكل بالباطل ومن أنحسه الربا.
هنا عشرة كاملة من التأكيد ـ أو يزيد ـ في الحفاظ على الدّين ، كتابة وشهادة : تلقيا وإلقاء ، مما يدل على بالغ الأهمية في شرعة الله للحفاظ على الأموال ، تقديرا لها دون تهدير ، كما لا إسراف فيها ولا تبذير ، فإنما المال وسيلة لإصلاح الحال على أية حال ، دون تدجيل ولا إدغال.
ولقد حذّر العقلاء أن يؤتوا السفهاء أموالهم التي جعل الله لهم قياما : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٤ : ٥).
ولم يسمح أن يؤتى مال اليتيم إياه حتى إيناس الرشد منه : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ...) (٤ : ٦).
فقد يعتبر غير الرشيد في ماله سفيها مهما كان بالغا للنكاح ، فاليتامى سفهاء في بعدين ، والبالغون غير الراشدين سفهاء في بعد واحد ، ولا يسمح لغير الرشيد أن يتصرف في ماله نفسه فضلا عما سواه.
ومن الرشد بالنسبة للأموال الوثيقة عند التداين كيلا تهدر بنكران أو نسيان أو موت دون وصية أمّاهيه من فلتات الأموال في مختلف الأحوال.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...).