يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ٢٨٤.
هذه تلحيقة حقيقية بالذكر بعد ما ذكر طوال السورة من براهين الأصول الثلاثة وفروع كالصلاة والزكاة والقصاص والصوم والحج والجهاد والحيض والطلاق والعدة والصداق والخلع والإيلاء والبيع والربا والرضاع والإنفاق والمداينة أمّاهيه من أحكام فرعية تحلّق على أعمال الجوانح والجوارح ، وهنا (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تحلق ملكه وملكه تعالى على كل الكائنات عن بكرتها ، ظاهرها وخافيها بكل ما فيها ، ثم الأنفس المكلفة بما كلفت (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من صالح وطالح «أو تخفوه» منها (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) وقد تختص المحاسبة بالسيئات : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً) (٦٥ : ٨) كما وأن «فيغفر ... ويعذب» دليل الإختصاص حيث الحسنات لا غفر فيها ولا عذاب.
ولكن المحاسبة هنا تعم العسير واليسير حيث الطالحات لا تنحصر في العسير : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (٨٤ : ١٣).
و (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من الطالحات قد تعم سوء العقيدة والنية والعزيمة وسائر الطوية ، وإبداءها يعم التحدث عنها والعملية الناتجة عنها ، فهو إذا ثالوث السوء ، كما خير ما في أنفسكم أيضا ثلاثة ، ولكن «في» قد تلمح بأن «ما» هي من الملكات النفسية دون الخواطر الطارئة من النيات السيئة التي لا يخلو منها إلّا القليل.
فهنا (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) تعني ـ على القدر المعلوم ـ النية المرتكنة الطالحة غير البادية ، ف (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وليست النية عملا وليس ترك