النية السيئة في وسع الإنسان ف (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (١) ثم البادية بالتحدث عنها وهي عوان بين النية والعملية ، محسوبة مما كنتم تعملون ، ثم البادية بواقع المنوي ، وهو أصدق مصاديق (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) والأخيران هما بين (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) حسب المكفرات المقررة وسواها ، وقد يروى عن رسول الله (ص): «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به» (٢).
ذلك! وأما السيئة العقيدية فهي داخلة في نطاق الكفر ، وفيها ما يناسبها من عقوبة ، فمهما لم تشملها (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) فقد تشملها الآيات المنددة بسوء العقيدة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.)
ف (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) خيرا وشرا هو المصدر الأصيل لما تبدونه ، وإنما استثني من العذاب نية الشر غير البادية ، ثم المثوبة والعقوبة تعمان كل ما في
__________________
(١) الدر المنثور ١ : ٣٧٤ ـ أخرج أحمد ومسلم وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : لما نزلت على رسول الله (ص) (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ ...) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله (ص) ثم جثوا على الركب فقالوا يا رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة وقد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله (ص) أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بال قولوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها (آمَنَ الرَّسُولُ ...) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلى آخرها ، وفيه أخرج عبد بن حميد والترمذي عن علي (ع) قال : لما نزلت هذه الآية (وَإِنْ تُبْدُوا ...) قلنا : أيحدث أحدنا نفسه فيحاسب به لا ندري ما يغفر منه ولا ما لا يغفر منه فنزلت هذه الآية بعدها : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ...) أقول : «نسختها» تعني قيدتها بغير حديث النفس والنية وكما قيد مثل الآية (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
(٢) المصدر أخرج سفيان وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن المنذر عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : ...