هذه والتي تليها تمثلان تلخيصا وافيا لأعظم قطاعات السورة ، ختاما تاما يليق تلحيقا لتفاصيل السورة برمتها ، ويا لها رباطا أليفا بما بدأت (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...) حيث الأولى تحمل تفاصيل ذلك الغيب كأجمل إجمال ، وفي السورة له تفاصيل مبسّطة.
(آمَنَ الرَّسُولُ) محمد (ص) (بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) من وحي القرآن والسنة ، بعد ما كان مؤمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وذلك الإيمان لم يكن بعد نزول القرآن بفترة قريبة أم بعيدة كما في غيره من المؤمنين ، فإنما هو إيمان حال نزول القرآن وكما كان ينتظره قبله.
ومن ثم هو إيمان مباشر كل كيانه عبدا ورسولا دون وسيط ، وليس وسيط الوحي في جلّه ـ ودون كله ـ وسيط الإيمان ، إذا فهو قمة الإيمان ، ورأس الزاوية في كل درجات الإيمان ، لا فحسب بالنسبة لسائر المؤمنين بهذه الرسالة ، بل وبالنسبة لكل المرسلين فإنه (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) و (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)!
وهنا «من ربه» تلمح إلى هذه الحالة أن ربّه رباه بربوبية خاصة لابقة لائقة لنزول ذلك الوحي العظيم ، ثم وربّه رباه ثانية بما أنزله إليه من وحي الرسالة الختمية ف (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) ـ (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ).
ذلك هو الإيمان الرئيسي لرأس الزاوية الرسالية ، وعلى ضوءه وبدعوته ودعايته :
(وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).
فالإيمان بالله ـ وهو قاعدة التصور الإيماني ـ وقاعدة كل الحركات الإيمانية ـ يعم أصل الألوهية ووحدانيتها ، على ضوء الفطرة والعقلية السليمة أصالة وإجمالا ، وعلى ضوء الوحي تكملة وتفصيلا.