ان لعنهم كاصحاب السبت ـ وهو أحد شقي العذاب ـ هو للأولى ، ولكن طمس وجوههم قد يعم النشأتين ، فهنا طمس لوجوه عقولهم على أدبارها حتى لا يعقلوا الحق وإن قصدوه كما الختم على القلوب ، وهناك إضافة لطمسها واقعيا كما انطمسوا هنا (١) ، وهذه هي حيلولة من الله بين المرء وقلبه ، تقليبا له عن إنسانيته ، ومطموسو الوجوه في الأخرى هم الذين يؤتون كتابهم وراء ظهورهم : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) (٨٤ : ١٠) فقد ينظر الى كتابه بوجهه المقلوب وراء ظهره حتى يقرء كتابه الذي أوتيه وراء ظهره ، وانقلاب وجه الإنساني إلى حيوانية الحياة هو ـ حقا ـ الرجعية اللعينة ، رجوعا إلى الأدبار ، إلى البوار والدمار : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (٤٧ : ٢٥).
ومن طمس وجوه طمس وجوه من الكفرة اليهود وهم رؤوس الضلالة حيث يشملهم الذل والصغار وكما نراه في الضالين من علمائهم وكبارهم وكما حصل من ذي قبل في إجلاء قريظة والنضير إلى الشام فرد الله وجوههم على أدبارهم حين عادوا إلى أذرعات وأريحاء من أرض الشام كما جاء وامنها بدءا.
__________________
(١) في الدر المنثور ٢ : ١٦٨ ـ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي إدريس الخولاني قال كان ابو مسلم الخليلي معلم كعب وكان يلومه في إبطائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال بعثه لينظر أهو هو؟ قال كعب : حتى أتيت المدينة فإذا قال يقرأ القرآن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ...) فبادرت الماء أغتسل واني لامس وجهي مخافة أن أطمس ثم أسلمت.
وفيه عن ابن عباس قال كلم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) رؤوساء من أحبار يهود منهم عبد الله بن صوريا وكعب بن أسد فقال لهم يا معشر يهود اتقوا الله واسلموا فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد فأنزل الله هذه الآية.