ذلك (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) عفوا بيانيا صراحا ، لا عفوا عن ذنب الإخفاء فإنه ليس له أي عفو من هذا القبيل لا جليل ولا قليل ، فبدلا من أن يبين كل ما أخفوه ، يبين كثيرا منه صراحا وكثيرا بسائر التلميح ككل الآيات التي تبين حقائق لا تتبدل فطريا أو عقليا أو واقعيا أو علميا حفاظا على بيانه الرسالي عن تطويل دون طائل ، ومن فضح أهل الكتاب بكل ما أخفوه ، فقد تكفيهم حجة بيان كثير مما أخفوه ، ثم تبيان غيره بتلميح ليعرفوا تصرفاتهم الخيانية في كتب الوحي فيرجعوا ـ ضروريا ـ عن غيهم إلى هذا النور المبين.
أترى تضادا بين «كثيرا» هنا و «أكثر» في أخرى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢٧ : ٧٦).
كلّا لأمور شتى ، منها التبيين هنا والقصّ هناك وهذا أعم من ذاك ، ومنها أن الذي هم فيه مختلفون كثيران اثنان والمبين منهما أكثر مما عفي عنه تبيينا.
أم وترى تضادا بين بيان الكثير الأكثر وطليق التبيين لما اختلفوا فيه في ثالثة : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (١٦ : ٦٤)؟.
كلا ثم كلّا! حيث الذي اختلفوا فيه هنا غير ما هناك ، فهنا المختلف فيه بين المشركين وهو مادة الإشراك مهما شمل موادا لأهل الكتاب ، وهناك مختلقات أهل الكتاب ، وقد بين القرآن أكثر الذي هم فيه يختلفون صراحا ، ثم الكثير معروف من تبيين حقائق ناصعة مسرودة في الذكر الحكيم ، فالمبيّن الأول يتبنّى أهم المختلفات المختلقات من إخفاء الكتاب في مثلث التحريف لفظيا بزيادة أو نقصان ، والتحريف معنويا بتفسير خلاف المقصود ، والثاني يتبنى سائر ما أخفوه.
(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) وقضية العطف هنا أن المعني من