صلة لها ، فلولا إذنه تكوينا استحالت الهدى ، ولولاه تشريعا لم تصلح الدلالة إليها ، فكما الرسول يهدي بالقرآن بإذن الله ، كذلك ـ وبأحرى ـ غيره ، فلا يسمح لايّ كان أن يهدي بالقرآن إلّا على ضوء العلم والعمل بالقرآن ، أن يصبح هو بنفسه كأنه القرآن ثم يهدي به :
١ فسبل السلام أولا هي سبل الله «السلام» سلام من الله مسكوب في هذه السبل ، سلام يحلّق على الحيوة الإيمانية كلها من سلام الفطرة والسجية والعقلية وسلام الصدر والقلب واللب والفؤاد ، سلام في حياة فردية وأخرى جمعية ، سلام في القال والحال والفعال ، وسلام في كل شيء يبدأ من هدي القرآن علما وعملا صالحا فالهدي إلى سبل السلام بحاجة إلى اتباع رضوان الله وهو الجهاد المعني من : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (٢٩ : ٦٩).
ومن السلام الآتي ذكره في القرآن «دار السلام» (٦ : ١٢٧) (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) (١٠ : ١٠) و (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (١٥ : ٤٦) والحياة السلام في الأولى هي حياة السلام في الأخرى ، والجامع للسلام ككل هو «الإسلام» إسلام الوجه لله بكل الوجوه.
ومن المؤسف جدا أن القرآن البيان التبيين الهادي إلى سبل السلام أصبح متروكا بين الأمة الإسلامية ، فقد تركه أهل السنة إذ تركوا قرينه المبيّن له : الثقل الأصغر ، فآل إلى تركه نفسه ، وتركه الشيعة مهما خيّل إليهم أنهم تمسكوا بأهل البيت إذ تركوا الثقل الأكبر الذي هو مصدرهم فآل إلى ترك القرآن ، ويكأنهم أجمعوا على رفض القرآن ، والنتيجة أن العلوم الإسلامية انقطعت عن القرآن ، فقد نظمت بأيدي اثيمة وأخرى جاهلة تنظيما بحيث كأنه لا حاجة لها إلى القرآن ، فبإمكان المتعلم علوم الدين أن يتعلمها جميعا ويتضلع فيها وهو لم يرجع إلى القرآن في أصل ولا فرع ، فلم يبق للقرآن إلا التلاوة والإستخارة والإهداء إلى أرواح الأموات ، وأرواح الأحياء منها