(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ..) وهي سبل الإسلام الذي قضيته السلام ، وكما أن «نور» تشمل الرسول النور والكتاب النور وكذلك الكتاب ، كذلك «به» تعني بالرسول وبالكتاب ، فالرسول يهدي بالكتاب والكتاب بالرسول ، وكلاهما «بإذنه».
وهنا (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) تحلّق على كل من يتحرى عن الحق وإن كان لمّا يصل إليه ، فأولى مراحل إتباع رضوان الله التتبع عنه معرفيا ثم عقيديا وعمليا ، فهي عبارة أخرى عن (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).
ثم (سُبُلَ السَّلامِ) هي السبل إلى الله في عديدها ومديدها في مختلف شؤون الحياة ، ولأنها لا تخلوا عن ظلمات آفاقية وأنفسية ، قصورا أو تقصيرا تتحمل الانحراف أو الوقفة على حدّ مّا ، لذلك (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) نور واحد ليست فيها ظلمات هذه السبل ، ثم (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو آخر المطاف للسالكين إلى الله ، فإنه نور مطلق مطبق لا ظلم فيه مهما كان هو أيضا درجات ، كما هدي القرآن هنا في درجات (يَهْدِي بِهِ اللهُ ... وَيُخْرِجُهُمْ ... وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) زوايا ثلاث من هدي النور القرآن بإذن الرحيم الرحمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
ثم هدي القرآن درجات ، أولاها طبيعة الهدى الدلالية (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) وثانيتها واقع الهدى تحريا عنها فوصولا إلى القرآن ف (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) وثالثتها واقعها المتكامل لمن اهتدى بالقرآن فهو هنا (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) المسرود فيه ، مبينا لسنة الرسول (ص) (يَهْدِي ... سُبُلَ السَّلامِ) ثم وهذه الأخيرة أيضا مثلثة الدرجات متتابعة تلو بعض ولصق بعض :
«يهدي .. ١ سبل السلام و ٢ يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ٣ ويهديهم إلى صراط مستقيم» وهنا في هذا المثلث «بإذنه» هي سيدة الموقف