يسعون توسعه في النفس أن إضلالها وفتنتها كذلك هما قتلها بل وأشد واكبر من القتل ، دون الإفساد العرضي والعقلي والاقتصادي فعلاجها (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ).
آية (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لا يستثنى منها بإطلاق وإنما بنص ولا نصّ على أن كل ساع في الأرض فسادا يقتل ، فحتى إذا شكلنا في جواز قتله لا يقتل.
فالذين (يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) فهم ليسوا كل مفسد إلّا المحارب ، وإنما الذين يسعون فسادا للإفساد ، فالمفسد لتكسّب وسواه لا للإفساد ، والمفسد للإفساد دون سعي ، هما ليسا من مصاديق آية السعي ، فغير محكومين بحدودها ، وبأحرى الفاسد الذي لا يفسد مهما كان ساعيا لإفساد نفسه دون سواه.
والإفساد هو مقابل الإصلاح والعوان بينهما هو دون إصلاح ولا إفساد ، فهو إفساد الصالح أو المصلح حسب الشرعة الإلهية ، شخصيا أو جماعيا مهما اختلفا في بعد الفساد وكما في مختلف حقوله نفسه.
فمن يسعى في إفساد نفس مؤمنة في أية ناحية من نواحيه فقد قتل نفسا وكأنما قتل الناس جميعا ، مهما كان أهون إفسادا ممن يسعى في إفساد المجتمع.
ثم الإفساد يعم كل أبعاده ، المذكورة في آية المحاربة ، والمحور الأصيل فيه إفساد النواميس الخمسة ، التي تتمحورها الشرايع الإلهية إصلاحا لها ، من النفس والدين والعقل والعرض والمال ، والدين هو رأس الزاوية ثم النفس والعقل ثم العرض ثم المال.
والناحية السلبية من كل شرعة إلهية ناحية منحى الحفاظ عليها ، ثم الإيجابية تنحو نحو تكميلها ، فلا بد من دفع الفساد والإفساد أيا كان حفاظا على صالح الأرض والحيوية الإنسانية : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ