يطهرونهم ، ولكن الآية بعد صالح التأمل والتعمل صريحة في طهارتهم.
فقد يقال إنهم مشركون لانحرافهم عن التوحيد الحق (١) فتشملهم (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٩ : ٢٨) ولكن الإشراك المنجّس ـ إن صدقنا أن المعني
__________________
(١) كما يقول تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٩ : ٣١) ـ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ. لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥ : ٧٣) ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) (٤ : ١٧٢) فهذه الآيات تدخلهم في المشركين ، ثم آية البينة تخرجهم عنهم ومن أمثالها : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢ : ١٠٥).
ذلك وقد تعني مقابلة الذين كفروا من أهل الكتاب بالمشركين أن هؤلاء هم المتوغلون في الإشراك بالله دون أهل الكتاب حيث يأولون إشراكهم إلى صبغة التوحيد.
ف (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ز قد تعني المتوغلين في الإشراك بالله وهم المشركون الرسميون ، ولو عنت كافة المشركين فقد نسخت بآية المائدة في حقل النجاسة دون سائر الحقول اللهم إلا الممحض في الإشراك وسواه.
إذا ف (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) لا تدل على نجاسة الكتابيين لما يلي :
١ «نجس» بمناسبة الإشراك راجع إلى عقائدهم دون أبدانهم إذ ليست أبدانهم مشركة.
٢ «إنما» تحصر كيانهم في النجاسة وليس هكذا الكتابيون ، فالقصد منهم المشركون الرسميون.
٣ لو دلت الآية على عموم النجاسة لكل من أشرك فالموحدون من أهل الكتاب خارجون.
٤ ولو دلت على نجاستهم كلهم فقد نسخت الآية بآية المائدة ، إذ لا تختص (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بمن آمنوا بالكتاب حقا فقد تشمل الكتابيين على مختلف عقائدهم في اللاهوت ومتخلف مذاهبهم عن شرعة التوحيد.