ب «الكتاب» كأنه يستغرق كل كتابات الوحي فإنه مستغرق كلما أراد الله أن يقوله للمكلفين إلى يوم الدين ، دون «القرآن» أو «هذا الكتاب ـ و ـ هذا القرآن» ، ذلك ليدل على أنه هو الكتاب الجامع لكل كتاب ، كما أن رسوله يجمع في نفسه ميزات الرسل كلهم وزيادة.
«أنزلنا» حال كونه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) النازل على الرسولين ومن قبلهما من الرسل (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) فالتصديق لكتب السماء لا يحمل إلّا تصديقا لنزولها بالوحي ، ثم الهيمنة عليه ـ التي لا تحملها إلّا هذه الآية ، اللهم إلا آية الحشر لله «المهيمن» (٢٣) هي الحيطة الحفيظة الرقيبة الشهيدة الكتابية ، فكما الله مهيمن على خلقه كلهم ، كذلك كتابه الأخير مهيمن على كتبه كلها حيطة وشهادة ورقابة أمّاهيه من أبعاد الهيمنة.
فمن هيمنته عليها الحفاظ على أصولها الثابتة التي لا تتغير في أية شرعة ، ومنها نسخ ما يجب نسخه حكما يناسب كل الأجيال إلى يوم القيامة فإنه نسخ للأحكام المؤقتة ، أو نسخ إلى مثل المنسوخ أو خير منه «ليبلوكم» : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (٢ : ١٠٦)(١) .. وكما منها تبيين ما حرف منها : (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ ...) (٥ : ١٥) ـ (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٣٨ في كتاب الاحتجاج عن معمر بن راشد قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : قال رسول الله (ص) وقد ذكر الأنبياء صلوات الله عليهم ، «وان الله عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها ..» وفيه في روضة الكافي بسند متصل عن علي بن عيسى رفعه قال : «ان موسى (ع) ناجاه ربه تبارك وتعالى فقال في مناجاته أوصيك يا موسى وصية الشقيق المشفق بابن البتول عيسى ابن مريم ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر الطيب الطاهر المطهر فمثله في كتابك إنه مؤمن مهيمن على الكتب كلها ...».