نظرة أمر يتلو لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا لا يكون هكذا إمرا ، ويبدله من بعد عسره يسرا حتى نزلت آية البلاغ مرة ثالثة بهذه التآكيد القيمة الحادّة الجادّة ، مطمئنة إياه عصمته عن بأس الناس فقد نزلت في الأولى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وزيد عليها في الثانية (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) ثم في الثالثة (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(١).
__________________
(١) ابن الفتال الشيرازي في روضة الواعظين عن الامام الباقر في حديث مفصل قال الله لرسوله : فأقم يا محمد (ص) عليا علما وخذ عليهم البيعة وجدد عهدي وميثاقي لهم الذي واثقتهم عليه فإني قابضك إلي فخشي رسول الله (ص) من قومه وأهل النفاق والشقاق ان يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء وسئل جبرائيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرائيل بالعصمة من الناس من الله عز وجل فأخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف فأتاه جبرائيل وأمره ان يعهد عهده ويقيم حجته عليا للناس ولم يأته بالعصمة من الله عزّ وجلّ الذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة فأتاه جبرائيل وأمره بالذي أمر به من قبل ولم يأته بالعصمة فقال يا جبرائيل اني لأخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاث أميال أتاه جبرائيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال يا محمد : ان الله عزّ وجل يقرئك السلام ويقول لك : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأمر رسول الله (ص) عند ما جاءته العصمة ـ وذكر قصة البلاغ يوم الغدير على تفصيله إلى أن قال (ص) في خطبة الغدير : معاشر الناس ما قصرت عن تبليغ ما أنزله الله تعالى إلي وأنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية : ان جبرائيل هبط إليّ مرارا ثلاثة يأمرني عن السلام ربي وهو السلام ان أقوم في هذا المشهد فأعلم كل ابيض واسود ان علي بن أبي طالب اخي ووصيي وخليفتي وهو الامام بعدي الذي مني محل هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، هو وليكم بعد الله ورسوله ـ إلى آخر الخطبة الطويلة وقد طالت في الرمضاء زهاء ساعتين في ذلك الملإ العام من المسلمين.