الناقمين ممن تحق له ولاية الأمر والإمرة بعد الرسول (ص) حيث كان يخاف تهريجهم وتحريجهم على أصل الرسالة تكذيبا له (ص) وهو بين ظهرانيهم ، ولا يعنى الكفر هنا إلّا الكفر بذلك البلاغ الرسالي الخاص.
أجل ، إن الرسول (ص) ما كان يخاف أن يقتل في يوم من أيام رسالته ، ولا في العهد المكي الهرج المرج الحرج ، فهل كان يخاف في قمة القوة والسيادة أواخر العهد المدني!.
ف (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (٣٣ : ٣٩) تسلب كل مخافة في الدعوة الرسالية عن كل الرسل ، فضلا عن سيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل الخلق أجمعين ، وفي قمة الشوكة والسلطة الروحية والزمنية!.
وحتى إن كان يخشى الناس أحيانا لم يكن يخشاهم على حياته ، بل كان يخشاهم على رسالته أن تهتك أو يفتك بها كما في قصة زواجه بزوجة زيد بعد أن قضى منها وطرا ، لأنه خلاف سنة جاهلية عريقة ، ولكنه طبّق أمر الله على خشيته تلك التي هي في الحق خشية على رسالة الله.
وأما هنا فقد استمهل ـ دون إهمال ـ أمر ذلك البلاغ نظرة أمر جديد جادّ أو طمأنة عن بأس الناس حتى نزلت (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فقام يوم الغدير بذلك البلاغ ، إنه كان يخاف إن بلغ هاتيك الرسالة الهامة المرموقة الممدودة إليها الأعناق أن يكذبه نفر ممن آمن به جهارا متهمين إياه استغلاله في بلاغ الخلافة فتنفصم بها عرى دعوته الرسالية فيكفرون ويكفر معهم آخرون ، فيتزلزل أركان رسالته العالمية الخالدة بينما هو يغادرهم إلى جوار رحمة ربه.
لذلك ، ولأن الأمر : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ما كان محددا بوقت ، كان يرى ترجيحا مؤقتا لأهم الأمرين أن يبطي تأجيلا لذلك البلاغ