ترتيب التأليف الذي قد يختلف عن ترتيب التنزيل ـ ليس احتفاقها هكذا مما يبرهن على أنه كان يخاف منهم في ذلك البلاغ ، فإن دل ذلك على شيء فإنما هو إنباءهم أن هذه الرسالة خالدة بكتابها ومن يبشر بها من القمة العليا العاصمة المعصومة ف (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
فمهما لم يكن ترتيب التنزيل قاصدا أحيانا حيث ينزل حسب الحاجات والطلبات غير المترابطة أحيانا ، فترتيب التأليف قاصد دون ريب ، وعلينا التدبر للحصول على تلك القصود الربانية في ترتيب التأليف ، وهو هنا كما بينا من بين الرباط بينها وبين الآيتين ، وما أبلغه رباطا وأفصحه ترتيبا.
ذلك ، وكيف يخاف أهل الكتاب في أخريات أيامه وهو في قمة القوة والشوكة التي كان يهابها الملوك والرؤساء ، ولم يكن يخاف المشركين الذين هم ألدّ منهم وأخطر منذ بزوغ رسالته.
وما ذلك الاحتفاف الخاص بآيتي أهل الكتاب إلّا لأنهم هم الذين كانوا يأملون ختام هذه الرسالة بختام حياة الرسول (ص) ويعملون لإنهائها بحيل كتابية أكثر مما يحتاله المشركون.
ذلك ، فالعصمة الموعودة هنا ليست إلّا عن هؤلاء الناس الناقمين من ولي الأمر بعده (ص) مهما شملت عصمته عن كل المخاوف بصورة طليقة ما كانت من ذي قبل كما ورد في أسباب النزول.
إذا فما ذا تراه كان يخافه الرسول (ص) إن بلغ هاتيك الرسالة ببلاغ (ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) إلّا الخلافة المرموقة الممدودة إليها أعناق جموع نعرفهم.
فليس الناس في (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) إلّا هؤلاء النسناس