يرضون من الرسالات إلّا ما تهواه أنفسهم ، وحين يرونها تخالف أهواءهم بكثير أو قليل ف (فَرِيقاً كَذَّبُوا) من رسل الله ويكذبون (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) كما قتلوا من ذي قبل.
فالتكذيب السابق هو المحور ويلحقه اللّاحق وكما القتل ، ولا تعني «يقتلون» فقط حال الرسل الحاضرين معهم ، بل والاستقبال ، رضي بذلك القتل ، وقتلا لتلك الرسالات بتكذيبات وتحريفات وتجديفات.
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٧١):
«وحسبوا» ذلك الحسبان الغالط الهابط الساقط ـ على تكذيبهم وقتلهم أنبياءهم ـ (أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وهما من أفتن الفتن في النشأتين ، وبذلك الحسبان وأنهم أبناء الله وأحباءه فلا يعذبون «فعموا» عن إبصار الحق «وصموا» عن سماعه ، وبذلك ابتعدوا عن روح الله ورحمته (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ليتوبوا (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا) تكرارا وإصرارا (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) فلم تك تنفع توبة الله عليهم إلّا لقليل منهم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) من طالح وصالح إذ لا تخفى عليه خافية.
هذا ، وذلك الحسبان الجاهل القاحل هو من أفتن الفتن وأعضل المحن (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤) فالعارف بخسرانه وفتنته يرجى أن ينتبه ، ولكن الحاسب فتنته رحمة وخسرانه نعمة ليس لينتبه.
وكان المرة الأولى من عماهم وصممهم هي قبل الرسالة الإسلامية ، ومن توبة الله عليهم ابتعاث محمد (ص) ليحيدوا عن باطل ما كانوا يحسبون ، والمرة الثانية هي بعد ظهور الإسلام حيث عموا وصموا عنه