(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ)(٤٩):
ترى إلى م عطفت (وَأَنِ احْكُمْ ..)؟ علّها معطوفة على (أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) فهناك «فاحكم» تفريعا على إنزال الكتاب ، وهنا «أن أحكم» بيانا للمسؤولية المحمّلة عليك في إنزال الكتاب.
و (ما أَنْزَلَ اللهُ) هنا هو النازل عليه في القرآن والسنة دون سائر الوحي ، وكما يؤيده (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) فإنه يعم الافتتان عنه إلى سائر الوحي المنسوخ أم أهواء خارجة عن الوحي.
فاتباع أهواءهم له محظور ، سواء أكانت أهواء لوحي الكتابين المنسوخ بالقرآن ، أم سائر الأهواء ، مهما اختلفت هوى عن هوى ، حيث الفتنة عن الوحي الناسخ هوى ، مهما كان إلى الوحي المنسوخ أم إلى غير وحي ، فلا تطع أمرهم ، ولا تجب داعيهم فإن أهواءهم داعية إلى الردى هادية إلى العمى.
وهنا تحذير الرسول (ص) أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله إليه تأييس لهؤلاء المفتنين تلك المحاولة اليائسة البائسة حيث «أبي ذلك وانزل الله هذه الآية» (١).
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ٢٩٠ ـ اخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال كعب بن اسد وعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا : يا محمد انك عرفت أنّا أحبار يهود واشرافهم وسادتهم وأنا ان اتبعناك اتبعتنا يهود ولم يخالفونا وان بيننا وبين قومنا خصوصة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن لك ونصدقك فأبى ذلك وأنزل الله عزّ وجل فيهم : (وَأَنِ احْكُمْ ...) الى قوله : (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).