(فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن حق الوحي وعن حكمك بما أنزل الله إليك (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ) ذلك التولي المخيّر غير المسيّر (أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) بتلك الإصابة ، ذنبا يستجرّ ذنبا ثم الله لا يوفقهم لتركه (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وهنا «فاعلم» نبهة أن محاولاتهم الفاسقة وجاه ما أنزل الله إليه ليست خارجة عن حول الله وقوته ، بل هو الذي يذرهم ـ هكذا ـ في طغيانهم يعمهون (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٨ : ٥٩) فلا يحملنك تولّيهم عنك يا حامل الرسالة الأخيرة أن تحزن ، ولا تجعل إعراضهم تغلبا لهم عليك أو على الله ربك ، ولا أن يفتّ عضدك أو يحوّلك عن موقفك ، فهم أولاء فقط الذين يصيبهم السوء بذلك الإعراض ، لا أنت كرسول ولا ربك كمرسل ، ولا الصف المسلم ، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب.
وبذلك يغلق كل منافذ الشيطنات والعرقلات ومداخلها إلى النفوس المؤمنة.
ذلك ، وقد يعني تكرار (احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) تكرّر دعواهم اليه (ص) حيث احتكموا إليه أولا في زنى المحصن ثم احتكموا إليه في قتيل كان بينهم (١).
ذلك (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) فلا يبقى إلّا قليل (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) وذلك الكثير دركات حسب دركات الفسوق ، فكما المؤمنون في الأصل قلة بين الكافرين ، كذلك العدول فيما بينهم قلة بجنب فساقهم.
هذه هي المفاصلة بين كتلتي الكفر والإيمان دون أية مواصلة ،
__________________
(١) المجمع وهو المروي عن أبي جعفر عليهما السلام.