فالمفروض على الذين آمنوا ككل فرضا على أعيانهم (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ثم لا تفرض الدعوة والأمر والنهي إلّا فرض كفاية على أمة منهم فيهم الكفاية عددا وعددا وهم العاملون بالمعروف الذي به يأمرون والتاركون المنكر الذي عنه ينهون ، على شروط مسرودة في الكتاب والسنة.
فلا تحمل هذه الآية ـ إذا ـ إلّا فرض الأعيان لقبيل الإيمان بينهم أنفسهم ، ثم (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أي لا يضركم إلّا ضلالكم ، وأما ضلال غيركم فليس ليضركم، اللهم إلّا إذا تركتم واجب الدعوة إلى الهدى بشروطها ، فهناك أيضا لا يضركم ضلالهم أنفسهم ، بل المضر هو ترك واجب الدعوة التي هي ايضا داخلة في نطاق (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) حيث تفرض واجبات الايمان ككل ، شخصيا وجماعيا ، ومن الثاني واجب الدعوة الكفائية.
ذلك ، ف (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) كتأويل أوّل تعني بالنسبة للضالين غير المؤمنين إذا لا تؤثر فيهم الدعوة ، وهي كتأويل ثان بين المؤمنين أنفسهم تعني ظروفا خاصة لا يجب أو لا يسمح فيها الأمر والنهي بين المؤمنين أنفسهم حيث لا يجدي نفعا أو يستجر ضرا هو أضر من ضلالهم (١)
ف (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) في خطاب الإيمان تجمع مجامع شروط الإيمان ومنها الدعوة والأمر والنهي قدر المستطاع ثم (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) إلى شروطات الايمان.
ذلك وفي نظرة أخرى إلى الآية نرى (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) تفرض على
__________________
(١) الدر المنثور ٢ : ٣٤ ـ اخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : ذكرت هذه الآية عند رسول الله (ص) فقال نبي الله : لم يجيء تأويلها لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى بن مريم عليهما السلام.