المؤمنين الحفاظ على أنفسهم فرضا على الأعيان ، فالمقصر الأوّل في كافة الفلتات عن قضية الإيمان هو المكلف نفسه ، ومن ثم هؤلاء الذين يضللونهم عن صراط الإيمان ، كما وهم مقصرون إذا تهاونوا عن الدعوة المفروضة عليهم بكل مراحلها.
ثم «لا يضركم» لها أبعاد ثلاثة أبعدها أنه «لا يضركم» ضررا أصيلا «من ضل» وأنتم تاركون واجب دعوتهم وأمرهم ونهيهم ، ثم البعدان المذكوران من ذي قبل هما المشتركان في عذر المؤمن في ترك الدعوة ، ف (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) مؤمنين وضالين (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) من خيّر وشرير ، وإنباء عن غفلة وغفوة مقصرة ، وإنباء عن طاعة قد لا يرجى الفلاح بها ، ثم إنباء بحصائل الأعمال حيث تجزون ما كنتم تعملون.
وهنا بعد رابع ل «لا يضركم» هو إضرار الإضلال ، فما دام المؤمن حفيظا على إيمانه بما عنده من طاقات وإمكانيات فلا يخاف «من ضل» أن يضله عن سواء السبيل ، وهذا من أظهر الأبعاد بين كل المحتملات الثلاث سابقة ولا حقة حيث (لا يَضُرُّكُمْ) إخبارا وإنشاء تنفي ضرّهم أنفسهم بما يختارون ميسرين في الضرر لا مسيّرين ، فحين لا تطبقون مسئولية (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) كما يجب كفاحا ضد عراقيلهم ، فهم بإمكانهم أن يضروكم إضلالا وسواه.
فحين يخاطب الذين آمنوا ب (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ليس ليعني منهم أن يؤمنوا كأصل ، بل هو استحكام عرى الإيمان لحد لا ينضر المؤمن بما يضره الكافرون ، وهذه ـ إذا ـ نظيرة : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى) (٢٠ : ١٦) حيث يعني النهي عن الصدّ الأمر باستحكام العقيدة