فيا للهول من ذلك الاستجواب الرهيب العجيب الذي يذهل الرسل ما كانوا يعلمون بما علّموا ، فإنه يوم الحشر العظيم والحشر العميم من الملإ الأعلى والأدنى والمتوسطين من الملائكة والجنة والناس أجمعين ، الاستجواب الذي يراد به المواجهة ، مواجهة المرسل إليهم أجمعين برسلهم أجمعين ، مواجهة المصدقين منهم والمكذبين ليعلن في موقف الإعلان أن هؤلاء الرسل الكرام إنما جاءوا من عند الله العزيز الحكيم ، وها هم أولاء مسئولون بين يدي رب العالمين في ذلك اليوم العظيم.
فالرسل ـ إذا ـ يعلنون أن العلم الحق وحق العلم هو لله وحده لا شريك له ، وان ما لديهم من علم لا ينبغي أن يدلّوا به بحضرة صاحب العلم المحيط ، بل وهم عما عندهم ذاهلون ، تحويلا للشهادة بأسرها إلى رب العالمين ، وحين يأتي موقفها فهو الآمر لإقامة الشهادة (يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) حين (يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وهكذا يكون أدب المتعلم أمام المعلم أن يكل العلم إليه مهما علم ما علّمه.
فكما أنه هو الذي يفتح مغاليق الشهادة الأرضية بأجواءها ، وشهادة الأبدان بأعضائها ، كذلك هو الذي يفتح مغاليق ألسنة سائر الشاهدين من المرسلين والكرام الكاتبين فيغرق المكلفون في خضمّ الشهادات أمام رب العالمين.
ذلك ، ولأن المسيح بن مريم عليهما السلام هو الذي فتن قومه فيه ، وهو الذي غام الجو حوله بمختلف الشبهات ومختلقها فخاض أناس في
__________________
ـ الى قوله ـ ويعلو سواد العيون بياضها ينادي كل آدمي يومئذ يا رب نفسي نفسي لا أسألك غيرها حتى ان ابراهيم ليتعلق بساق العرش ينادي يا رب نفسي نفسي لا أسألك غيرها ونبيكم (ص) يقول : يا رب امتي امتي لا همة له غيركم فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم : ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا طاشت ...