فحين ينسى الإنسان ذاته أمام ربه فقد ينسى متعلقاته بأحرى ، وما علم الرسل بما أجيبوا وسواه علما لهم ذاتيا ، ولو كان لكان منسيا كما الذوات ، وقد تجمع هذه الثلاث : «لا علم لنا سواك» (١) فلولاك لما كان لنا علم ، ثم ولا علم لنا أمامك ، فنحن صغار صغار أمامك يا ربّ فيما أنت أعلم به منا ، وأما حين تستشهدنا بما أشهدتنا من أعمال عبادك فنقيم شهادتك بإذنك (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ..) (١٦ : ٨٩) ، أجل فعند ذلك «طاشت الأحلام وذهلت العقول فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها (نَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) (٢٨ : ٧٥)(٢).
__________________
(١)نور الثقلين ١ : ٦٨٨ في معاني الأخبار بسند متصل عن موسى بن جعفر قال : قال الصادق عليهما السلام في هذه الآية : «يقولون لا علم لنا سواك».
(٢) في الدر المنثور ٢ : ٢٤٢ ـ اخرج الخطيب في تاريخه عن عطاء بن أبي رباح قال جاء نافع بن الأزرق الى ابن عباس فقال : والذي نفسي بيده لتفسرن لي آيا من كتاب الله عزّ وجلّ أو لأكفرن به فقال ابن عباس ويحك أنا لها اليوم أيّ اي؟ قال : اخبرني عن قوله عزّ وجل : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا ، وقال في آية اخرى : ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله ، فكيف علموا وقد قالوا : لا علم لنا ـ الى قوله ـ : فقال ابن عباس ثكلتك أمك يا ابن الأزرق ان للقيامة أحوالا وأهوالا وفظائع وزلازل فإذا تشققت السماوات وتناثرت النجوم وذهب ضوء الشمس والقمر وذهلت الأمهات عن الأولاد وقذفت الحوامل ما في البطون وسبحرت البحار ودكدكت الجبال ولم يلتفت والد إلى ولد ولا ولد الى والد جيء بالجنة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب على يمين العرش ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكل زمام سبعون الف ملك لها عينان زرقاوان تجر الشفة السفلى أربعين عاما تخطر كما يخطر الفحل ولو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول لك الحمد يا إلهي إذ جعلتني انتقم من أعدائك ـ