فشهداء الأعمال لا يشهدون إلّا بمظاهرها الحاضرة لديهم أو المحضرة بإذن الله عندهم ، وأما النيات وسائر الطويات فهي المختصة بعلام الغيوب ، وقد يكون ذلك التعليم يوم القيامة بعد ذلك التساءل ، حيث العلم الطليق يوم الدنيا لهؤلاء الشهداء هو مما يصد عنهم كل ضرّ وشرّ كما يجلب كل خير ، وذلك العلم مسلوب عن الرسول (ص) فضلا عمن سواه كما قال الله عنه : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) (٧ : ١٨٨) فمن الغيب المستكثر للخير والصاد عن مسّ السوء هو العلم بأعمال المكلفين ككل ، وبنياتهم وطويّاتهم ما تشمله الشهادة يوم يقوم الأشهاد.
إذا فالجامع بين واقع الشهادة من الأشهاد يوم يقوم الأشهاد ، وعدم علمهم بمادة الشهادة ، هو ان ذلك العلم يختص بما بعد الموت وبعد ذلك التساءل ، ومما يشهد له قول المسيح (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ..) (٥ : ١١٧).
ثم وهنا في (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) لمحة إلى أن علمنا بغيب الأعمال الظاهرة حين نغيب عنها هنا أم بعد الموت ، هو علم قليل بغيب مّا كما علمتنا ، ولكن العلم الحق وحق العلم بكل الغيوب ، إنه يختص بك.
إذا ف (لا عِلْمَ لَنا) يعني علما وافيا بما أجبنا ، فالإجابات بالنيات والطويات وهي محاور الإجابات غائبة عنا لا علم لنا بها ، ثم إجابات الأقوال والأعمال وهي مظاهر الإجابات ، إنها ليست بالتي تحلّق على كل المسؤول عنهم هنا (ما ذا أُجِبْتُمْ)؟.
ذلك ، ومن جهة رابعة قد يكون موقف المسائلة أذهلهم عما كانوا يشهدون حياتهم وما أشهدهم الله حياتهم ومماتهم ، وفي الحق إنه موقف مذهل مزلزل كل الخليقة مهما كانوا من الرسل.