١ ـ (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) فقد كانت نعمة تكلّمه في المهد تبرءة لهما فهي نعمة عليهما ، ثم نعمة تكلمه كهلا برسالة الوحي تحقيقا حقيقا بالله لهما إذ أكد براءته وأمه مما قيل عليهما ، وأكد بركتهما في هذه الرسالة السامية ، فتكلم المسيح (ع) في المهد عني واقعا هو براءتهما ، ومستقبلا هو رسالته ، فلم يكن وقتئذ نبيا ، ومما يبرهنه «وكهلا» بعد «مهدا» حيث الفاصل بينهما خلو عن ذلك التكلم الرسولي ، فتكلمه في المهد كان رساليا في بعدية وهو «كهلا» كان رسوليا بكل الأبعاد ، ثم لا بعد رساليا ولا رسوليا لتكلمه بين «مهدا وكهلا» ، ومما تشهد له النعمة التالية :
٢ ـ (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) إذا فما كان معلّما رسوليا هذه الأربع وهو في المهد ، فإنما علمها «كهلا» رسولا برسالة الوحي.
وهنا (الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) قبل (التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) علّة من ذكر العام قبل الخاص ، حيث التوراة والإنجيل هما كتابان حكيمان ، فقد علم قبلهما أو معهما كل كتاب وحكمة بالوحي ، تحليقا لوحيه الرسالي على كل كتابات الوحي من ذي قبل وكل الحكم المطوية فيها.
ولأن تعليم هذه الأربع ـ وهو رسالته جمعاء ـ لا يكفي دليلا عليها عند الناس فإلى نعمة ثالثة هي آيته الرسولية بعد الرسالية المعطاة إياه :
٣ ـ (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ... وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي) وهذه ذكرى شاملة لعديد آياته ومديدها ، تبيينا أنها كلها بإذن الله ، فلم يكن منه إلّا صنعة ونفخة ولكن الخلق إنما هو «بإذني» إذنا غير مخول إلى المسيح (ع) حتى يكون هو الخالق وكيلا أو بديلا ، فلم يأذن الله له في الخلق والإحياء أمّا أشبه من آية ، فإنما فعله في حقل الآيات ـ فقط ـ تخلق ، دون تخليق ، وتحيى دون إحياء ، وتبرئ دون إبراء ، فالجانب