الواقعي من هذه الآيات هو «بإذني» والجانب الصوري هو من فعلك ، فلا إذن تكوينا في هذه الأمور الربانية ، فإنما هو إذن رباني فيها بموازاة ما فعله المسيح (ع).
ذلك ، ف «تخلق» ك «تخرج وتبرئ» لا تعني أن حقيقة هذه الأعمال هي له ، فإن «بإذني» تحولها عن ظاهر فعله إلى واقع فعل الله.
ولا يعني الإذن تخويلا أو تحويلا أم توكيلا له في هذه الآيات الرسولية ، وإنما يعني قرنا لإذنه تكوينا مع هذه المحاولات المأذونة تكليفا ، ف (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣٥ : ٣)؟ (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (٦ : ١٠٢).
ذلك ، وتكرار «بإذني» مرات أربع في هذه الآيات الرسولية الأربع ، دون أن تذكر مرة واحدة بعدها أجمع ، إنه تكرار قاصد إلى تزييف القول : أنه أعطي الإذن علما وقدرة ثم حققه تدريجيا عند كل آية.
كلّا! فكما أنه لم يكن خالقا بنفسه ، كذلك لم يكن خالقا بالإذن المخول تكوينا إليه ، فإنما كان الله هو الذي يأذن في تحقيق كل آية آية ، لا أنه يأذن له في تحقيق أية آية ، ولأن الآية الربانية ليست إلّا بعلم طليق وقدرة طليقة هما من اختصاصات الربوبية ، فلا تنتقل إلى أيّ من المربوبين كما لا تنتقل ذاته إلى ذواتهم ولا صفاته إلى صفاتهم فإنه «باين عن خلقه وخلقه باين عنه»!.
وفي نظرة عميقة هنا يقتسم كيان الخلق للطير اقتساما بينا بين المسيح المأذون وبين الله الخالق ، فللمسيح (تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) فلم يكن مخلوقة بالأذن الأول هو خلق الطير حتى في جسمها ، وانما (كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) وهي شاكلتها الطينية ، فقد يشاركه كل خالق من الطين وسواه كهيئة الطير دون أية ميزة هنا اللهم إلّا «بإذني» حيث أذن له الله في