ذلك الخلق تقدمة لما يأذن الله في خلق الطير ، فالإذن الأول تكليفي بسماح ذلك الخلق أمرا من عنده تعالى لما يرومه من خلق الطير.
وعملية ثانية هي كالأولى في عدم كونها من الخلق (فَتَنْفُخُ فِيها) كمرحلة ثانية منه تحضيرا للتكوين الرباني (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) والإذن هنا ذو بعدين ، فالأول كالأول في تشريعية الإذن ، فلو لم يأذن الله له أولا وثانيا لم يكن له ما فعله لغاية التكوين الرباني ، وأما الثاني فهو تكوين الطير جسميا وروحيا ومما صنعه بإذن الله كهيئة الطير ونفخ فيه ، فالنص هنا (فَتَكُونُ طَيْراً) لا (فَتَكُونُ طَيْراً) فذلك الإذن التكويني موجّه إلى مصنوع المسيح المنفوخ فيه وليس إلى المسيح الصانع النافخ.
وليس (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) إلّا ك (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) حيث المتعلّق للإذن هو متعلق التكوين دون وسيط ، بفارق أن سائر تكوينه تعالى هو خالص التكوين ، وهذا تكوين كحجة على رسالة المسيح حيث كوّن طيرا بإذنه قرنا ل (تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي).
وصيغة الخلق هنا بالنسبة للمسيح ـ ولا خالق إلّا الله ـ إنما تعني أنه صنع بإذن الله ما هو مادة لخلق الله دون سائر الصانعين لتماثيل حيث لا يخلقها الله حيوانا أو إنسانا ، إذا فبين صنع الإنسان وخلق الله تعالى عموم من وجه ومادة الاجتماع هي الآيات الرسولية التي فيها محاولات للرسول قرن فعل الله ، ثم الإفتراق هو في خلق الله دون آية ، وصنع غير الله دون قرن لخلق الآية الربانية.
ذلك ، والإذن التكويني لا يتعلق بطبيعة الحال إلّا بمادة الخلق (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) دون وسيطه المسيح وإلّا لكان (فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي).
ولو عني من الإذن نيابة المسيح ووكالته عن الله في ذلك الخلق لم