عادلا لعصيانهم وبهتانهم العظيم (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) ايّ غفر صالح في موقف الفضل والرحمة ما لم تناف العدالة (فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب على أمرك غير مغلوب «الحكيم» حيث تضع عزتك في مواقف الحكمة دون ظلم ، ولا رحمة غير صالحة ، فإنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة.
وترى كيف سمح المسيح (ع) في ذلك الموقف الرهيب أن يلفظ بغفر لهم وهم أولاء الذين نكبوه ومسوا من كرامة لله فيما ارتكبوه ، وهو القائل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٨) وهؤلاء ممن أشركوا بالله افتراء على الله وعلى رسول الله؟.
علّ الوجه في تلك السماحة في ذلك السماح أنهم ما كانوا كلهم مشركين مهما كانوا مشتركين في نقل هذه القولة عنه (ع) فعلّهم انقسموا إلى أقسام كما هي الواقعة بين المنحرفين من المسيحيين ، من ناقل عنه (ع) هذه ، غير قائل به ، أم قائل بالبنوة التشريفية للمسيح (ع) فالأمومة التشريفية لابن الله بهذا المعنى ، أم غير قائل بهما بل هو عامل معهما معاملة عبد مع الرب ، التماسا منهما ما يلتمس من الله وهو شرك خفيف ، أم قائل بحقيقة البنوة له والأمومة لأمه ، أم قائل بتحول الإله من لاهوت الألوهية إلى ناسوت البشرية تمثلا بالمسيح ، أماهيه من هرطقات كنسية جارفة هي دركات ، ولكنها لا تحسب كلها بحساب الإشراك بالله المصطلح في القرآن وهو عبادة الصنم أو الطاغوت.
فمن الجائز أنه ذكر (إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ) بصوغ التشكك اعتبارا بجائز الغفر عند الله عن بعض هذه الأخطاء.
ذلك ، ومن الغفر هنا أن يغفر لهم عن واقع فريتهم توفيقا لهم للاستغفار والإنابة إلى الله ، قبل موتهم ، إذ ليس في كلامه (ع) ما يدل على ، أو يشير إلى : أنّ طلب الغفر لهم ينحو إلى ما بعد موتهم ، حيث دعى