نرى خمسا من السور تفتتح ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ) : الفاتحة وهذه الأنعام والكهف : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) وسبأ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) والفاطر : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فالحمد في أم الكتاب هو أم الحمد في الكتاب لمكان (رَبِّ الْعالَمِينَ) المحلّقة على ربوبية الله في الخلق والتدبير لكل كائن ، وربوبية التشريع الأخير الشامل لكل شرعة ربانية.
والحمد في الكهف ناح منحى التشريع ، وفي سبأ يختص ملكه وملكه السماوات والأرض و «في الآخرة» جزاء وفاقا عدلا وفضلا في حقلي الثواب والعقاب ، وفي الفاطر فطرا للسماوات والأرض وجعلا للرسل الملائكية حملة للتشريع وعمّالا للتكوين.
ذلك ، وهنا في الأنعام حمدا لخالقيته ككل إبداعا وربوبية وجعلا للظلمات والنور ، وهي مثلثة الجهات فإن فيها «ردّ على ثلاثة أصناف منهم ، فلما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) كان ردا على الدهرية الذين قالوا : إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ثم قال : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) فكان ردا على الثنوية الذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبران ، ثم قال : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) فكان ردا على مشركي العرب ـ وسواهم ـ الذين قالوا : «إن أوثاننا آلهة ...» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٦٩٧ في كتاب الاحتجاج للطبرسي قال أبو محمد الحسن العسكري ذكر عند الصادق (ع) الجدال في الدين وان رسول الله (ص) والأئمة المعصومين ـ