أقلتم إن العالم قديم غير محدث وأنتم عارفون بمعنى ما أقررتم به ومعنى ما جحدتموه؟ ـ نعم –
فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض مفتقر لأنه لا قوام لبعض إلّا بما يتصل به ، ألا ترى البناء محتاجا بعض اجزاءه إلى بعض وإلّا لم يبق ولم يستحكم ، وكذلك ساير ما ترى ، فإذا كان هذا المحتاج بعضه إلى بعض لقوته وتمامه هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثا كيف كان يكون وماذا تكون صفته؟.
فبهتوا وعلموا أنهم لا يجدون للحدث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا أنه قديم فوجموا وقالوا : «سننظر في أمرنا» (١).
(وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ).
وذلك التعبير عن «الظلمات والنور هو منقطع النظير في القرآن كله ، ولماذا بالنسبة لها «وجعل» دون «خالق ـ أو ـ خلق» حيث اختص بالسماوات والأرض؟.
علّه لأن (الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) ماديا وروحيا ، هما لواحق الخلق ولزاماته في عالم الاختبار والإختيار.
وجمعية الظلمات هنا وفي سائر آياتها الثلاثة والعشرين ، وجاه وحدة النور ، هي للتدليل على أن صراط الله واحد غير مختلف ، كما هو غير متخلف ، ولكن السبل الأخرى متشتتة متشعبة.
ثم «الظلمات» كما «النور» ـ محسوسة ومعقولة ـ إنها ليست إلّا من جعل الله دون سواه ، حتى تتبنى الظلمات إلها آخر أم مخلوقة لإله الشر
__________________
(١). الاحتجاج للطبري عنه (ص).