الطالحين ، إذا ف (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) تتخصص بهؤلاء الأكارم الذين لا ذنب لهم ، وتخص بمن له ذنب أيا كان ، تاب عنه أم لم يتب ، شفع له فيه أم لم يشفع ، حيث التوبة من الله ومغفرته والشفاعة المقبولة لديه وتكفير السيآت بترك الكبائر وما أشبه ، كل ذلك قضية رحمته ، فمن يصرف عنه العذاب فقد رحمه بواجب رحمته التي فرضها على نفسه أم راجحها ، أم والتي ليست خلاف العدل.
وإذا كان صرف العذاب عن هؤلاء رحمة فالجنة لهم رحمة فوق رحمة ، إذ لا يستحق أحد على الله الجنة جزاء أصليا ، اللهم إلّا بما وعد برحمته ، حتى «ولا أنت يا رسول الله (ص)» (١) ولكن الله يتغمده ومن معه برحمته التي كتبها على نفسه.
ذلك ، وأما صرف العذاب عنه (ص) فيما صرف عن نفسه العصيان وكما خص خوفه عنه به : (إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٧):
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (١٠ : ١٠٧) ـ (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣٥ : ٢).
هذه الآيات ترسم صورة وضاءة عن توحيده تعالى في أفعاله ، فلا
__________________
(١) مجمع البيان عن الحسن في تفسيره ان النبي (ص) قال : والذي نفسي بيده ما من الناس احد يدخل الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله (ص)؟ قال : ولا أنا إلّا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ووضع يده على فوق رأسه وطول بها صوته.