«ما اصف من دار أولها عناء ، وآخرها فناء ، في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، من استغنى فيها فتن ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن ساعاها فاتته ، ومن قعد عنها واتته ، ومن أبصر بها بصرته ، ومن أبصر إليها أعمته» (الخطبة ٨٠ / ١٣٥).
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) (٣٣):
«قد نعلم» محققا دون ريب (إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) من تكذيبك في رسالتك وفيما أرسلت به ، تكذيبا واستهزاء ، ولكنك لست أنت كمحمد مصبّ تكذيبهم (١) ، إنّما أنت المكذّب كرسول ، فالله هو المكذّب (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ) وأنت برسالتك منها «يجحدون» ، ولكن «لا يستطيعون إبطال قولك» (٢) ، حيث الحق يملك من البراهين ما لا يستطيع أحد تكذيبه بحجة ، فإنّما (جَحَدُوا بِها
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٠ ـ اخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن أبي ميسر قال : مر رسول الله (ص) على أبي جهل فقال والله يا محمد ما نكذبك انك عندنا لصادق ولكنا كنا نكذب بالذي جئت به فأنزل الله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ..) وفيه اخرج ابن جرير عن أبي صالح في الآية قال : جاء جبرائيل الى النبي (ص) وهو جالس حزين فقال له : ما يحزنك؟ فقال : كذبني هؤلاء فقال له جبرائيل : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) انهم ليعلمون انك صادق (وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
(٢) نور الثقلين ١ : ٧١٢ في تفسير العياشي عن الحسين بن المنذر عن أبي عبد الله (ع) في قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) وفي تفسير الفخر الرازي ١٢ : ٢٠٥ ـ ان الحرث بن عامر من قريش قال يا محمد والله ما كذبتنا قط ولكنا إن اتبعناك نتخطف من أرضنا فنحن لا نؤمن بك لهذا السبب وفيه روى أن الأخنس بن شريق قال لأبي جهل : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد (ص) أصادق هو أم كاذب فانه ليس عندنا أحد غيرنا؟ فقال له : والله إن محمدا لصادق وما كذب قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فما ذا يكون لسائر قريش؟ فنزلت هذه الآية.