وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).
فتكذيب رسول الله تكذيب بآيات الله ، والتكذيب بآيات الله تكذيب بالله فهم ـ إذا ـ في ثالوث من التكذيب.
وتراه (ص) هنا ينهى عن أن يحزن بما يقولون (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ) حتى تحزن على نفسك «ولكن ...»؟ لكن الحزن على تكذيب آيات الله أحزن للرسول من حزنه على نفسه! فكيف التفاصل بينهما؟!.
ولكنه لم ينه عن حزنه كأصل ، بل المنهي عنه هنا هو حزن المظلوم المغلوب في أمره ، فإذا كان المكذّب آيات الله والله لا يظلم وهو ناصر لآياته رسولية ورسالية وسواها ، ثم ولا مبدل لكلماته عن دلالاتها وتحققاتها فلما ذا الحزن ـ إذا ـ على ذلك التكذيب : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) (٢٧ : ٧٠).
فالحزن منه محظور كأن يحزن الرسول على تكذيبه لأنه هو ، أو يحزن على تكذيب الله خوفة على انتقاض من سماحته وانتقاص من ساحته ، أو يحزن عليهم بما يوعدون ، فكل ذلك محظور ، تدل على حظره آيتنا وآية النمل.
ومنه محبور كأن يحزن حامل الرسالة على ان الله يعصى ، فمن قضايا الإيمان فضلا عن رسالة الإيمان ، أن يحب الرسول تحقيق رسالة الله ويبغض ويحزن على تكذيبها ، وهنا «ليحزنك ..» تسلية لخاطره الخطير ألا يشتغل بذلك الحزن عن كامل البلاغ لرسالته أو يستملّ عنه.
ثم لست أنت بدعا من الرسل في ذلك التكذيب التعذيب بل هو طبيعة الحال في رسالات الله كلها :
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ