هنا إقام التوراة والإنجيل يقتسمان بين أهليهما ولا سيما أهل الإنجيل إذ يؤمنون بالتوراة تلقائيا ، مهما كان إيمان أهل التوراة بالإنجيل تكليفا ربانيا ، وكما أن من إقامهما بتمحيصهما عن كل زيادة وتأويل عليل ، كذلك تطبيقهما عمليا على ضوء الإيمان بهما ، ومن ثم الإيمان بالمبشّر به فيهما وهو القرآن ورسوله ، فمثلث إقام التوراة والإنجيل مطوي في إقامهما.
ثم (ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) قد تعني إلى كل كتابات السماء ـ بين الكتابين حيث توضّح الدخيل فيهما عن الأصيل ، وتبين منهما كل إدغال وتدجيل ـ تعني القرآن فإن الإيمان به وإقامه هما من القضايا الرئيسية لإقامهما ، وليست «إليهم» لتختص النازل إليهم بالكتابات الإسرائيلية ، حيث الواجهة القرآنية لأهل الكتاب هي قبل غيرهم ، فهم الركيزة الأولى من وحي القرآن لمعرفتهم بطبيعة الوحي أكثر من سواهم.
فكما أن من قضية إقام التوراة هي تصديق الإنجيل فإقامه ، كذلك إقام القرآن هو رأس القضايا لإقامهما ، إذ لا يختص إقام كتاب الوحي بمواصلة التطبيق لأحكامه ـ فقط ـ بل ومن إقامه النقلة إلى كتاب آخر يؤمر بها في الكتاب.
إذا فالانتقال من هذين الكتابين إلى القرآن إقام لهما وللقرآن ، وفي الترسب فيهما دون نقلة إلى القرآن ترك لإقامهما.
فاليهودي والمسيحي الحقيقي هما اللذان يقيمان الكتابين بالإيمان
__________________
ـ قلنا يا رسول الله (ص) وكيف يذهب العلم ونحن نقرء القرآن ونقرؤه أبناءنا ويقرءه أبناءنا أبناءهم إلى يوم القيامة؟ قال : ثكلتك أمك يا ابن لبيد ان كنت لأراك من افقه رجل بالمدينة أو ليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء.