كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٢ : ٢٠١).
فقد يبدوا أن الإيمان والتقوى لا يعنيان ـ فقط ـ حسنى الآخرة ، بل وكذلك معها حسنى الدنيا ، فالمنهج الإيماني للحياة لا يجعل الدين بديلا عن الدنيا ، ولا يجعل سعادة الآخرة بديلة عن سعادة الدنيا ، فلا يجعل طريق الآخرة غير الطريق في الدنيا فإنما «الدنيا مزرعة الآخرة» كلّ يمسك على الآخر ، إذا فليس في تحصيل الآخرة إهمال الدنيا ، ولا في تحصيل الدنيا إهمال الآخرة ، حيث المؤمن دنياه آخرة حين يتذرع بها إليها ، فحياته فيها حسنة مهما كانت الآخرة هي الحسنى.
فخلاف ما يزعم ليس العداء بين الحياتين والنشأتين عداء لازبا أصيلا ، بل هو طارىء من انحراف أهل الدنيا حيث يؤصّلونها فيستأصلون الحياة الأخرى ، فلا استئصال بينهما كأصل ، وكما نجد في وعد الله أن تواتر البركات الدنيوية قبل الأخروية هو من قضايا الإيمان الصادق والتقوى ، فكيف ينافيان تعمير الحياة الدنيا ، اللهم إلّا التركيز عليها كأصل أخير.
فكما المنهج الإيماني يقرر أن الصلاة والصوم والحج عبادة ، كذلك العمل للحصول على عيشة راضية هنا عبادة محسوبة على الآخرة كما هي محسوبة على الدنيا.
كيف لا وقد استعمرنا الله في الأرض دونما استهدام ف (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (١١ : ٦١).
فاستعمار الأرض المطلوب من ربنا لنا هو الذي لا يستهدم الآخرة بل ويستعمرها جمعا بين الاستعمارين الصالحين وهو للكادحين الصالحين ، ف (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٨٤ : ٦) كدحا في كلا الاستعمارين.