فليس المنهج الإسلامي ليفوّت على ناهجيه دنياه لنيل الآخرة ، ولا آخرته لنيل الدنيا ، إذ ليستا ـ في الأصل ـ نقيضين أو بديلين في ذلك المنهج ، وإلّا لم تستخدم الدنيا كمدرسة ومزرعة للآخرة.
وما مذمة الحياة الدنيا في القرآن والسنة إلّا جانبية تعني التي تفوّت الآخرة ، فهي على حدّ تعبير الأمير عليه السلام تبصرة للآخرة : «من أبصر بها بصرته ومن أبصر إليها أعمته».
فالمذاهب الروحية التي تحاول استبقاء الدين عقيدة وعملية بعيدة عن نظام الحياة ، كما المذاهب المادية التي تحاول استئصال الدين كأنه يناحر مصالح الحياة ، أو أن الدين لله والحياة للناس ، إنها مذاهب بين إفراطية وتفريطية بحق الدين والحياة ، حيث لم تعرف الدين ولا الحياة ، فالدين الحق هو الذي يكفل صالح الحياة الدنيوية إلى جانب صالح الحياة الأخروية ، دون تفدية لإحداهما للأخرى اللهم إلّا تأصيلا للأخرى لأنها الحياة الدائمة وهذه هي الفانية.
ذلك ، وليس الرخاء الظاهرة في الأمم المتحلّلة عن الإيمان والتقى مما تبقى حيث تبغى ، إنما هي جولات عابرات ، وهي مع الوصف حافلة بكل شقاء وخوف وعناء.
فمن ذلك سوء التوزيع في هذه الأمم مما يجعلها حافلة بالشقاء وبالأحقاد والمخاوف من الثورات والانقلابات المتوقّعة حينا بعد حين ، نتيجة الأحقاد الكظيمة والمظلمات العظيمة ، فهي بلاء رغم ظاهر الرخاء بالنعماء.
ذلك وعلى حد التعبير القرآني العبير (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (٢٠ : ١٢٤).
ولقد نلمس مختلف مظاهر الضنك في المعيشة خلقية وسياسية