ثالث هو ما يكتبه الكرام الكاتبون (١) ورابع هو ما يتلقاه الشهود (٢) اشهاد اربعة ومتوافقة (يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) وان كان (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)(٣) : دون حاجة الى الثلاثة الآخرين ولكن لتحيط بك الشهود نفسيا وافقيا فلا تبقى لك أيّة عاذرة!.
في كتاب النفس نجد لسان المقال وجوارح الأفعال كما الجوانح تشهد بما كانوا يعملون إلقاء يوم يقوم الاشهاد كما شهدت تلقيا : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (٢٤ : ٢٦) (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٣٦ : ٦٦) ختما على الأفواه صدا عن تكلم الألسن اختيارا كما تشاء نكرانا لما قالته او عملته الجوارح وتفتحا لأقوال الألسن المخرجة عنها يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ، فالألسن المنفصلة عن ألسن القائلين تتكلم بما تكلمت طوال التكليف ، فشهادة الألسن على أصحابها قد تكون اختيارا ، ولا يختار المجرم كلاما على نفسه ، او اجبارا وهو بعيد غاية البعد عن الشهادة الحق من
__________________
(١) عله يدل عليه مثل قوله تعالى : «وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ : كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ» راجع نفس المصدر ويعني الكتاب هنا أيضا ما سجله الله بعماله الكرام الكاتبين في انفس المكلفين والجو الذي يعيشون فيه ، او ان كتابهم عنا علمهم بأعمالنا بما علمهم الله كما قد يوحى به «يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ».
(٢) تدل عليه آيات شهادة الشهود المبعوثين يوم يقوم الاشهاد كقوله تعالى : «يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ.» (١٦ : ٩٢) «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ : وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ» (٣٩ : ٧١).
(٣) قد تكون الباء في «بنفسك» زائدة للزينة كما يقال ، وقد تكون للتعدية السببية ان نفسك سبب الشهادة والحساب عليك.