وهب ان اجل الموت لا ريب فيه عند احد ، ولكن اجل المعاد فيه مرتابون كثير فكيف (لا رَيْبَ فِيهِ) في مطلق الأجل؟
هنا نفي للريب لا نفي الشك ، فمهما شك في المعاد شاكون ، ليس لشكهم سناد مريب فلا يرتابون ، فكما القرآن لا ريب فيه وفيه شاكون كثير ، كذلك المعاد لا ريب فيه على شكه الكثير! (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً)(١٠٠).
ترى وما هي الصلة بين خشية الإنفاق هنا ، المحتفة بنكران الرسالة والمعاد مسبقا ، وبذكرى آيات الرسالة ملحقا ، والموضعان ليسا موضع إنفاق أو إقتار؟.
نجد الجواب في (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٤٣ : ٣٢).
فخزائن الرحمة المقصودة هناك هي الرحمة الروحية اصليا وسواها فرعيا ، وعلّها هنا هي الظاهرة فباحرى الباطنة ، فالخزائن هي المواضع التي جعلها الله تعالى جهات لدرور الرزق ومنافع الخلق ، ترفع الأيدي عند السؤال والرغبات واستدراك الخير والبركات ، ثم وأحرى منها بركات معنوية فلو ان هؤلاء المعترضين على الرسالة المحمدية وسواها كانوا يملكون (خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) الرحمة الربانية الروحية الرسالية «لأمسكتم» عن إنفاقه لمن يستحقها (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) الإفناء ، (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) ممسكا بخيلا ، لا بما لنفسه فقط بل وبرحمة الله ، ولا بما يفنى فقط بل وربما لا يفنى من رحمة الله.