ففي هذه الأمور تكوينيا وتشريعيا ينحصر التوكل على الله منحسرا عن سواه (١). فلا توكل إلا على الله ولا اتكالية في الأمور على الله او سواه ، ولا توكيل في وكالة غير الله إلا ناقصا ينحو نحو وكالة الله.
حيث الاتكال على اي كان يعني تخلي الإنسان عن أية محاولة فيما يتكل فيه ، والبطالة في اي أمر للإنسان فيه حول وقوة محظور ، حتى وان كان على الله ، كمن لا حراك له في الحصول على رزقه ويتكل على الله.
ثم التوكل على غير الله فيما يتوكل فيه دون اتكال يعني أن غير الله كاف وليس به أيا كان ، وانما يتوكل على الله ، ولا يعني توكيل غير الله لا توكلا عليه ولا اتكالا ، وانما مساعدة لك فيما لا يسعه حولك أم قوتك ، ثم عليكما موكلا ووكيلا التوكل على الله فيما لا تقدران عليه او تقدران! (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).
ف (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) تعم الوكالتين : ١ فيما يختص بالله كما مضى في آياته ٢ ـ في كل أمر يعمله لك متعاملا معك غير الله ، أن تراه مستقلا في حوله وقوته عن الله ، ام غير مفتقر في بلوغ الغاية إلى الله وحتى فيما يبلغه الإنسان دون حاجة ظاهرة الى سواه.
(إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) عله علة الأمرين ، ١ ـ ان الله حمل نوحا والمؤمنين معه ، ٢ ـ وانه جعل دريته ومن حمل معه هم الباقين.
والشكور هي المبالغ في الشكر حسب المكنة والاستطاعة كالعبد الشكور حيث يشكر في غاية العبودية ، وهي البالغ في الشكر بمقتضى الرحمة : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٤٢ : ٢٣) وأين شكور من شكور! على ان (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)
__________________
(١) راجع ج ٢٩ ـ الفرقان ـ ص ٢١٧ على ضوء الآية : فاتخذه وكيلا.