عمل فإنما هو على عهدة عامله بخيره وشره في عاجله وآجله ، كما وأنه مسجل بصورته الصوتية والصورية في ذاته ، فالعنق عبارة عن الذات حيث الكيان الحيوي للإنسان به اكثر مما سواه ، وعبارة عن العهدة ، فإلزام طائر الإنسان في عنقه ايحاء بهما جميعا ، فالعمل الزائن في العنق كالقلائد والاطواق ، كما العمل الشائن كالاغلال والأوهاق هما لزام عنقه مهما كانا خفيين يوم الدنيا ، فان الله يخرجهما يوم الاخرى كتابا يلقاه منشورا.
ثم والطائر تلويحة باستطارة نسخة عينية من الأعمال الى كتاب الآفاق ثم نجد تصريحتها في آيات تحدث الأرض اخبارها.
(أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) وعل إلزامه طائره يوحي بكون طائره لزام ذاته ككل ، و (فِي عُنُقِهِ) بان ما يلزم ذاته هو على عهدته ، فهو لازمه لا يفارقه ، لا يمكنه ان يتخلص عنه او يتملص منه ، لا نفس العمل ولا مخلفاته ، فهو كالطوق في عنقه بالزامه إياه والحكم عليه به.
فلئن اختص هذا الإلزام بعهدة العمل دون نفسه لكان التعبير «الزمنا طائره» دون «ألزمناه» ولو اختص بإلزام العمل دون عهدته لقال : «في ذاته» دون «في عنقه» فثنائية الإلزام لا محيد عنها في هذا الإجمال ، وكما تفصلها : (وَنُخْرِجُ لَهُ ... اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ ... (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) حيث الأولى لزام عمله ، والأخيرة لزام عهدته يجمعهما : «خيره وشره معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتى يعطى كتابه يوم القيامة بما عمل» (١) ف «يذكر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتى كأنه فعله تلك
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ١٤٤ عن تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر الثاني وأبي عبد الله (عليهم السلام).