مَرِيدٍ) ٣.
(وَمِنَ النَّاسِ) المخاطبين بواجب التقوى ، المكلفين بالتجنب عن الطغوى ، من هم في الحق نسناس : (مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) فالمجادلة في الله بعلم فطري ام عقلي ام تجريبي ، بصورة مجردة غير دخيلة بالهوى ، توصل صاحبها إلى حق في الله كونا وكيانا وتوحيدا ، حيث الكون بكافة ما فيه ، من ظاهره وخافيه ، مستخدم في الحق للحصول على معرفة بالله قدر المحاولات اللائقة اللابقة في هذه السبيل.
ذلك وان كان الله لا يجادل فيه ، ولكن الشكّ القاصر شك مقدس ، لا بد من إزالته بمجادلة قدسية هادفة لتخطّي الشك إلى اليقين وهذه من المجادلة في الله بعلم حيث تنتهي إلى علم إذ تهدف العلم ، واما المجادلة المشككة المقصّرة فهي على أية حال لا تملك اي برهان أيا كان وأيان ، فهي ـ إذا ـ مجادلة في الله بغير علم ، لا يتبّع صاحبها علما ، وانما (يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) من شياطين الجن والانس ، المجادلين في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
والمجادلة المشككة في الله تعم اصول الدين وفروعه ، مبدء ومعادا وما بينهما من وحي ومواده ، حيث الكل لله ومن الله لا سواه ، والمتحري عن الحق لا يتطرق طريق الجدال في الله لأنها مخاصمة لا تعني إلّا إبطال الحق في الله و (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) (٤٠ : ٤) ولا مصير لهم في ذلك المسير إلّا أن يأخذهم الله (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) (٤٠ : ٥)!.
وهذا الذي (يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) : المرتفع الأملس ، المتمرد على علم ، هو لا سواه يعيش حياته الشيطنات والضلالات والتضليلات عاندة عامدة ، جامعة كل ضروبها من شتات أصحابها ، حيث الشيطنات