(فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها) لا عقول ام صدور يعقلون بها ، رغم ان العقل هو الذي يعقل في البداية ، فقد يعقل العقل والصدر ضيق لا ينشرح به (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) فانه استيقان العقول فقط.
ام يعقل الصدر وينشرح بما عقله العقل ، والقلب بعد غير عاقل كما يحق ، فهو عوان بين الكفر والايمان ، فقد يفسق وقد لا يفسق.
واما إذا عقل القلب ما عقله الصدر عن معقول العقل ، فهنالك الايمان القمة المرموقة ، سواء أكان عقله ما عقل ظنا فهو من اصحاب اليمين ، ام علما فهو من السابقين والمقربين : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ. الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٢ : ٤٥) وذلك ظن القلب عقلا راجحا فيه ، دون ظن الصدر أو العقل!
فلأن أبصار القلوب هي قلوب الأبصار ، لذلك اختصرت هنا فيها كأنها احتصرت ، فما تفيد سائر الأبصار فوائدها المرغوبة منها إلا إذا انتشأت من ابصار القلوب ، فما يبصره البصر او يسمعه الأذن يتنقل إلى بصيرة العقل ، وما يبصره العقل في نفسه أم ببصر العين او الاذن يتنقل إلى بصيرة الصدر ، ومن ثم إلى بصيرة القلب (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) عينا وسمعا وعقلا وصدرا (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) التي لا تنفع معها سائر الأبصار ، مهما كانت ابصار العقول او الصدور فضلا عن ابصار العيون.
فالمعرفة ما لم تصل شغاف القلب فهي متقلبة ، مهما اختلفت الدرجات ، فإذا وصلت إلى القلب وأخذ شغافه فهنالك البصيرة التامة الطامة دون تزعزع ولا تلكع.