قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) ٥٣ ـ :
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ..)
فذلك ـ إذا ـ بالنسبة للقاسية قلوبهم والمرضى الناكرين للآخرة ، امتحان الامتهان ليزدادوا مرضا على مرض ونكرانا على نكران ، وكما (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).
وهو في نفس الوقت مزيد علم وايمان لاولي العلم والإيمان (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) اكثر مما كان (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) ايمانا فوق ايمان ، حيث الايمان يتبلور بالامتحان ، فلما يرى المؤمنون تلك العرقلات الشيطانية ضد الدعوة القرآنية واضرابها ، يتأكدون أكثر مما كان (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ).
إذا فليس ما يلقي الشيطان فتنة إلا للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم والذين لا يؤمنون بالآخرة ، ولو كان ذلك الإلقاء مثل ما يفترى على رسول الهدى من قصة فرية الغرانيق لكان هو (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه من هؤلاء المرضى الكافرين ، خارجا عن الذين أوتوا العلم! بل هو خارج عن القبيلين حيث المرسلون هم مليء العلم والايمان والإخبات إلى ربهم ، لولاها لما أرسلوا إلى العالمين ، فلقد اجتازوا مراحل الإخلاص من العلم والإيمان بالله والإخبات لله حتى أخلصهم الله واصطفاهم على علم على العالمين : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (٢٢ : ٧٥) (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٣٨ : ٤٧) (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٤٤ : ٣٢).
انهم عليهم السلام كلهم خارجون عن ذلك الثالوث المنحوس ، وحتى عن اولي العلم المتدرجين إلى ايمان الإخبات ، فهم في قمة الإسلام بعد ما اجتازوا درجات الايمان والإخبات إلى ربهم فاصطفاهم ربهم على العالمين.