(إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) بينهم وبين الحق ، فليسوا ليكتفوا بنفاقهم العارم وكفرهم الصارم ، فيستزيدون نفاقا على نفاق وكفرا على كفر بما يلقي الشيطان ، صاغية اليه افئدتهم (وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ) ـ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢) ف (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) (١٧ : ٢٠).
ف (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) هم مرضى القلوب لعدم استقامتها في التعقل ، فلا تذعن بما به يذعن إذا استقامت وصحت القلوب ، ثم تقسوا لحدّ لو أرادت الإذعان لما تيسر لها حيث ختم الله عليها بكفرهم وهم (الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) ويجمعهما (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) حيث تصغى إلى ما يلقي الشيطان وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) وهم هؤلاء الصاغون اليه (لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) غارقون فلا ينجون ، واصحاب الشقاق القريب قد ينجون ، ثم الرفاق للحق المحتارون الفاحصون عنه أولئك هم يؤمنون :
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ٥٤.
ان المهديين إلى صراط مستقيم هم الراسخون في العلم ، ويتلوهم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) حيث الامتحان يستدرجهم إلى الرسوخ في العلم فالى صراط مستقيم ، حيث العلم هنا هو الايمان على بينة فانه مغزى المعرفة بالله دون العلم فقط ، وهكذا (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ..) (٣ : ١٨) (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (٢٩ : ٤٩) (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ) (٣٤ : ٦) (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ)