فمن انحس الباطل وأبطله تسوية الخلق برب العالمين ، بل وهم يقدمونهم عليه فيما يعبدون : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٣٩ : ٦٧) (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) (٦ : ٩١).
فحق قدره في ألوهيته ، هو توحيده لمكان قوته وعزته وضعف من دونه وذلته ، وحق قدره في عدالته إقامة قيامته ، وحق قدره في فضله ورحمته أن يوحي إلى بشر من خلقه ، إذا فنكران توحيده وقيامته ووحيه ثالوث من الكفر به ونكران لحق قدره ومنزلته في هذه الجهات الثلاث من ربوبيته ، فقد نزّلوه عن قدر الربوبية ومنزلتها توحيدا وعدلا ورحمة ، وهكذا يكون كل من لا يقدّر الله حق قدره قالا او حالا او فعالا ، مهما كان عدم قدره حق قدره دركات ، كما ان قدره حق قدره درجات.
فما أنحسه من سوى بينه وبين خلقه ثم رجحهم عليه حيث يعبدهم دونه ، ودونه من يخاف عبدا له كما يخافه ثم لا يخاف إلا عبده ، ثم ومن دونه من دونه ، ورأس الزاوية هو الذي يشرك به جاهرا ، ومن ثم الرئاء وهو شرك خفي داخل في نطاق الآية بصورة هامشية ، وكذلك كل قولة او فعلة او حالة تنافي منزلة الربوبية ، جهلا او تجاهلا ، قاصرا ام مقصرا.
(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ٧٥.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً ..) (٣٥ : ١).
آيتان تحملان رسالة للملائكة ، أولاهما وكثير مثلها تحمل رسالة من الناس ، ولكن ملائكة الفاطر مطلقة في جعلها رسلا كأنهم هم كلهم دونما استثناء ، وملائكة الحج (يَصْطَفِي مِنَ) تبعيضا لمكان الفعل والجار ،