ثم الإنشاء هو إيجاد الشيء وتربيته ناشئا عن الآخر ، إذا ف «خلقا آخر» وهو الروح (١) ناشئ عن البدن نفسه ، مهما كان منفوخا فيه (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) (٣٢ : ٩) فتربية البدن تخليصا منه ـ صفوة مختارة وسلالة صافية غير كدرة ـ هي إنشاءه خلقا آخر.
فالإنسان قبل نفخ الروح خلق وهو بعد نفخة خلق آخر ، مهما كان منشأ عن الاول ، كما أن الحطب قبل حرقه خلق ، وبعده ـ حيث يتحول نارا ودخانا ـ هو خلق آخر ، والمادة نفس المادة إلا في الصورة المتحولة.
إذا فليس الروح مجردا عن المادة ، فلا هو روحانية النشأة ولا روحانية البقاء ، بل هو جسمانية نشأة وبقاء مهما اختلفت حالاته وتصرفاته وخاصياته عن البدن الميت.
إذا فشعوره دون البدن ، وبقاءه دون البدن ، وسائر ميزاته دون البدن لا يدل على شيء إلا انه ليس هو البدن أو جزء عاديا من البدن ، بل هو صفوة مختارة وسلالة منسلّة عن البدن ، وعلّ عقله سلالة عن مخّه وصدره عن صدره وقلبه عن قلبه ، وسائر أبعاضه عن سائر أعضاءه حسب المناسبات والتجاوبات (٢).
(فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) ١٤.
وكيف هو احسن الخالقين و (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) حتى يكون هو أحسنهم؟
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٥٤١ في تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) فهو نفخ الروح فيه.
(٢) لتفصيل البحث حول الآية وآية الروح راجع تفسير سورة الأسرى عند «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ».