إذا فكل مياه الأرض هي من نازل السماء دون إبقاء ، كما ويؤيده التهديد في (وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) وذلك خلافا لما كان يزعمه الإنسان إلى وقت قريب ألّا علاقة بين المياه الجوفية والمياه السطحية ، والقرآن يقرر العلاقة الوثيقة بينهما وأن الكل من نازل السماء.
فلا تعني (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) سكناه فيها دون صعود مؤقت ، وانما تعني ان النازل منها بقدر إليها هو نصيبها الخاص ، دون ان يصعد بأسره إلى غيرها ويبقى.
ومما يلمح له «فأسكناه» ملحّقا «بذهاب به» انه لولا إسكانه فيها لما رجعت امطارا عن الابخرة الصاعدة عنها ، فان طبيعة الحال في الماء المحكوم بحرارة الشمس وسواها الصعود إلى السماء ، وقضية إسكان ماء الأرض فيها رجعه مطرا إليها بعد تبخّره : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أمانات الأرض من ماء وسواه.
اجل «ماء بقدر» دون افراط ولا تفريط (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ. عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (١٣ : ٩) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢١).
فهناك في النطفة (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) بغية تحوله إلى جنين ، وهنا (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) كذلك الأمر ، حيث الماء كنطفة والأرض قرار مكين بغية حياتها بإنشاء مختلف النبات :
(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ١٩.
فكما هناك في نهاية المطاف للأطوار الجنينية (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) حياتا بعد ممات ، كذلك هنا (فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ ..) حياة بعد ممات واين حياة من حياة هي في احسن تقويم!