والعرض الجغرافي وإلى يوم الدين (١).
ومن مصائب التحجر في ذلك التقطع ان كل قطاعة متحزبة ضد الاخرى ترى الحق معها كله والباطل مع من سواها كله ، فتمضي فرحا مرحا لا تفكر في شيء ولا يلتفت إلى شيء إلا إلى شيئه المتقطع ، مغلقة على أنفسها جميع المنافذ التي تأتيه منها أية نسمة طليقة ، او يدخل إليها منها اي شعاع مضيء ، تعيش كلّ في تلك الغمرة الهامرة «فذرهم ..» :
(فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) ٥٤.
لقد غمرتهم واغرقتهم حيونة الجهالة وجهالة الحيونة ، والغمرة هي إزالة اثر الشيء ، وهي معظم الماء الساتر لمقرها ، وهم أزالوا آثار الانسانية كلها ، واختصوا أنفسهم بآثار الحيوانية كلها بل هم أضل سبيلا (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) يغمرهم العذاب في لجة او يأتيهم الموت قبلا ، او حتى حين يؤذن لك في حربهم حيث تغمرهم ، او حين ينجو منهم من ينحوا منحى النجاة.
(أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ)٥٦.
ذلك الحسبان هو ظن الذين كفروا حيث يستمدون بمدّ الله لهم من اموال وبنين لتثبيت قاعدتهم وانهم ـ فقط ـ على خير ، رغم ان ذلك المدّ مزلة ومضلة لكثير من المؤمنين فضلا عن الكافرين (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) شعورا في الأمور ، ودقة تميزّ لهم المحبور عن المحظور.
__________________
(١) راجع كتابنا «المقارنات العلمية والكتابية بين الكتب السماوية» وراجع تفسير الآية الثانية في سورة الأنبياء تجد فيها تفصيلا اكثر مما هنا.