ف (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) ليست شرطا لحرمة الإكراه ، فإن البغاء لا تحصل عند ارادة التحصّن إلّا بالإكراه ، وإنما تعني تغليظ الحرمة ، ف «لا تكرهوا» نهي خاص في أحرج ظروفه وأعوجه ، فلا يفهم منه إن لم يردن تحصنا فلا بأس بإكراههن إذ لا يحصل فيه إكراه ، فمثلها كمثل قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) إذ لا تختص الحرمة بالأضعاف ، وإنما تعني إضعاف الحرمة في الأضعاف!
فنفس البغاء محرمة ، وهي من المسلمة أشد ، والإكراه عليها أشدّ من الأشد ، وابتغاء عرض الحياة الدنيا من هذه الدنية بالغ أشدّه في الحرمة ، حرمة مربعة تعنيها (وَلا تُكْرِهُوا ...) فيما تعني الأمة ، ثم وخامسة إذ تشمل الحرة ، فالفتيات تشملهما.
وهي محرّمة على «من يكرهن» ولكن المكرهة عليها (فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) للمكرهة دون المكره ، مما يدل على أن البغاء دون إكراه محرمة لا غفران بعدها دون شرط من حد وتوبة وإصلاح!
ف (مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ) تعطف بالغفران إلى المكرهات ، وإلا فلتكن «من بعد إكراههم»! ثم البعد يخص الغفران بحالة الإكراه دون الإختيار ، فقد جمعت الآية بين حل البغاء للمكرهة ، وأغلظ الحرمة للمكره ، وأصل الحرمة للبغايا غير المكرهات!
وذلك النهي المغلّظ كان جزء من خطط القرآن في تطهير البيئة الإسلامية ، وإغلاق السبل القذرة للتصريف الجنسي ، أيا كانت غايته ، والصلة القريبة لهذا النهي بأمر المكاتبة ، علّها الفكرة الخاطئة من بعض الموالي ، من سماح البغاء أو الإكراه عليها توفية لنجوم الكتابة ، حيث المال المحصّل من حرام ـ فضلا عن حرام الإكراه على البغاء ـ لا يفي نجوما للكتابة ولا لأي نجم أمّاذا؟