لقد عاش ذلك القرآن العظيم والمعجز العميم طول زمن الرسول ، وليكون على حجة وبينة دائبة على طول الخط ، ويعلم الناس أنه ليس من عنده ، ولو كان لما انتظر في إجابات عن سؤالات نزول الوحي ، وليزداد هو والمؤمنون علما بعد علم ، فيعيشوا نظرة الرحمة الإلهية دائبين ودونما انقطاع.
وأما أن كتابات الوحي السالفة إنما نزلت جملة واحدة لأنها نزلت على أنبياء يقرؤن ويكتبون ، ولكن محمدا ما كان يكتب او يقرأ فقد ينساه ، فيطارده قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٨٧ : ٦).
ولئن سألت فما هو الفارق بينها وبين القرآن في فرق التنزيل وجمعه؟ أو لم يكن النبيون من قبل بحاجة إلى تثبيت فؤادهم في ترتيل وحيهم ، وهم أحوج منه بكثير؟
فالجواب : أن الفارق الأصيل هو أن القرآن آية معجزة بنفسه دون سائر الوحي ، فليحشر زمن الرسول على طول ، ليعيش آية رسالته ما دام حيا دونما انقطاع ، وكما يعيشها المكلفون بعده حتى القيامة الكبرى ، وأنه كتاب معرفة خالدة زائدة على سائر الوحي ، فليثبت فؤاد الرسول وأفئدة المؤمنين بترتيله ، وسائر الوحي أحكام لا تحمل إنباءات غيبية إلا نذرا قليلا ، وليس فيها نسخ وهو كائن في القرآن ، فهو بميّزته في منازل عدة يمتاز بنجومه ... في تنزيله.
وأن سائر الوحي تحمل احكاما تعبدية بسيطة ، تعبّد الطريق للشرعة الأخيرة الخالدة القرآنية.
وعلى الجملة ف (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) على سند الرسالة في كل سنيّها ، وتثبيت لمزيد العلم والمعرفة له ، وتثبيت فؤاده على الدعوة به ترتيلا ،