يا لله من غفور رحيم ، يغفر من استغفره ويرحم من استرحمه مهما جاء بإفك وفاحشة ، ثم يأمر المقذوفين بالغفر والرحمة وينهاهم عن الايتلاء والنقمة ، مما يعرفنا بعد الآماد الغالية والآفاق العالية من كرم الأخلاق والسماحة في الأدب الاسلامي السامي ، وبذلك يمسح على الآم الجماعة المؤمنة قاذفا ومقذوفا وعوانا بين ذلك ، ويغسل من أوضار ، ويخفف عن أوزار حمّلت عليهم من خطوات الشيطان!
مع كل ذلك ولكيلا يهون الإفك بعد على الآفكين يكرّر الكرة عليهم إن كرّروا وأصروا دونما توبة نصوح أو بعد توبة :
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢٣).
أترى المحصنات هنا هن العفيفات كما في (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ)؟ و «المؤمنات» تكفي دلالة على أنهن العفيفات! فهن إذا ذوات الأزواج ، مما يزيد في خطر الإفك فيهن!
ومن هن الغافلات من المحصنات المؤمنات؟ لعلّهن اللاتي يغفلن عن إفكهن فلا يدافعن عن أنفسهم ، مما يزيد أهل الظنّة ظنة فيهن ، فزيادة ثانية في حظر الإفك فيهن ، محظورات ثلاث في رميهن تتطلب عذابا ذا أبعادا ثلاثة هي : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا ـ وَالْآخِرَةِ ـ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)! لأنهن مظلومات في أبعاد ثلاث فقد يجسم التعبير بشاعة تلك الجريمة الآفكة في
__________________
ـ دعاهم ثم اظهر الكتاب وقال يا فلان فعلت كذا ولم أؤدبك؟ فيقرون اجمع فيقوم وسطهم ويقول لهم : ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا علي بن الحسين ربك قد احصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ولديه كتاب ينطق بالحق لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربك الذي لا يظلم مثقال ذرة وكفى بالله شهيدا فاعف واصفح يعف عنك المليك لقوله تعالى (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) ويبكي وينوح.